الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الوصايا جمع وصية, مثل العطايا جمع عطية والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى: ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين أو عنده وديعة, أو عليه واجب يوصي بالخروج منه فإن الله تعالى فرض أداء الأمانات وطريقه في هذا الباب الوصية, فتكون مفروضة عليه فأما الوصية بجزء من ماله فليست بواجبة على أحد, في قول الجمهور وبذلك قال الشعبي والنخعي والثوري, ومالك والشافعي وأصحاب الرأي, وغيرهم وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حقوق بغير بينة وأمانة بغير إشهاد, إلا طائفة شذت فأوجبتها روي عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر وقيل لأبي مجلز: على كل ميت وصية؟ قال: إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز: هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون وهو قول داود وحكي ذلك عن مسروق وطاوس وإياس, وقتادة وابن جرير واحتجوا بالآية وخبر ابن عمر, وقالوا: نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينقل عنهم وصية, ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك ولنقل عنهم نقلا ظاهرا, ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلا تجب بعد الموت كعطية الأجانب فأما الآية فقال ابن عباس: نسخها قوله سبحانه: وتستحب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيرا لأن الله تعالى قال: والأولى أن لا يستوعب الثلث بالوصية وإن كان غنيا لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (والثلث كثير) قال ابن عباس: (لو أن الناس غضوا من الثلث فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: الثلث كثير) متفق عليه وقال القاضي, وأبو الخطاب: إن كان غنيا استحب الوصية بالثلث ولنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لسعد: (والثلث كثير) مع إخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله, فإنه قال في الحديث: " إن لي مالا كثيرا ولا يرثني إلا ابنتي " وروى سعيد ثنا خالد بن عبد الله ثنا عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن مالك قال: (مرضت مرضا, فعادني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال لي: أوصيت؟ فقلت: نعم أوصيت بمالي كله للفقراء وفي سبيل الله فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أوص بالعشر فقلت: يا رسول الله إن مالي كثير وورثتي أغنياء فلم يزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يناقصني وأناقصه حتى قال: أوص بالثلث, والثلث كثير) وقال أبو عبد الرحمن: لم يكن أحد منا يبلغ في وصيته الثلث حتى ينقص منه شيئا لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الثلث والثلث كثير) إذا ثبت هذا فالأفضل للغني الوصية بالخمس ونحو هذا يروى عن أبي بكر الصديق, وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه شيخ فقال: يا أمير المؤمنين, أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني أعراب موالي كلالة, منزوح نسبهم أفأوصى بمالي كله؟ قال: لا قال: فلم يزل يحط حتى بلغ العشر وقال إسحاق: السنة الربع إلا أن يكون رجلا يعرف في ماله حرمة شبهات أو غيرها, فله استيعاب الثلث ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بالخمس وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه يعني قوله تعالى والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون, إذا كانوا فقراء في قول عامة أهل العلم قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا كانوا ذوي حاجة, وذلك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه الوارثون بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا وصية لوارث) وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم وأقل ذلك الاستحباب وقد قال الله تعالى: قال: [ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك] وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة, لم تصح بغير خلاف بين العلماء قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا وجاءت الأخبار عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك فروى أبو أمامة قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة, وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم, ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به, وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى وإن أجازها جازت, في قول الجمهور من العلماء وقال بعض أصحابنا: الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد, في رواية حنبل: (لا وصية لوارث) وهذا قول المزني وأهل الظاهر وهو قول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا وصية لوارث " وظاهر مذهب أحمد والشافعي, أن الوصية صحيحة في نفسها وهو قول جمهور العلماء لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو وصى لأجنبي, والخبر قد روي فيه (إلا أن يجيز الورثة) والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة, أو ما أشبه هذا أو يقدر فيه: لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة, يكفي فيها قول الوارث: أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك, لزمت الوصية وإن كانت باطلة كانت الإجازة هبة مبتدأة تفتقر إلى شروط الهبة, من اللفظ والقبول والقبض كالهبة المبتدأة ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض صح رجوعه. وإن أسقط عن وارثه دينا, أو أوصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال, فهو كالوصية وإن عفا عن القصاص وقلنا: الواجب القصاص عينا سقط إلى غير بدل وإن قلنا: الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال وإن عفا عن حد القذف, سقط مطلقا وإن وصى لغريم وارثه صحت الوصية وكذلك إن وهب له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وقال أبو يوسف: هو وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذه الوصية وتستوفى ديونه منها ولنا أنه وصى لأجنبي, فصح كما لو وصى لمن عادته الإحسان إلى وارثه وإن وصى لولد وارثه صح, فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى قال طاوس في قوله عز وجل: وإن وصى لكل وارث بمعين من ماله بقدر نصيبه كرجل خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة, وجارية قيمتها خمسون فوصى لابنه بعبده ولابنته بأمته, احتمل أن تصح الوصية لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبيا بجميع ماله صح إذا كان ذلك بثمن المثل, وإن تضمن فوات عين المال واحتمل أن تقف على الإجازة لأن في الأعيان غرضا صحيحا وكما لا يجوز إبطال حق الوارث في قدر حقه لا يجوز من عينه. وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض, عتق وورث وبهذا قال مالك وبعض أصحاب الشافعي وحكاه الخبري مذهبا للشافعي ولا خلاف بين هؤلاء في أنه إذا ملكه بالميراث أنه يعتق ويرث وقال أبو حنيفة: إن حمله الثلث, عتق وورث وإلا سعى فيما بقي عليه ولم يرث ولم يفرق بين أن يملكه بعوض أو غيره وقال أبو يوسف, ومحمد: يحتسب ميراثهم من قيمتهم فإن فضل شيء أخذه وإن فضل عليهم شيء سعوا فيه ولنا, أن المريض لم يضع فيهم شيئا من ماله وإنما تعاطى سبب ملكهم على وجه لم يستقر وزال بغير إزالته, فلم يحتسب عليه من ثلثه كما لو اتهب شيئا فرجع الواهب فيه قبل قبضه أو اشترى شيئا فيه غبطة بشرط الخيار ففسخ البائع, أو وجد بالثمن عيبا ففسخ البيع أو تزوجت المرأة فطلقت قبل الدخول وإذا لم تكن وصية تحتسب عليه من الثلث لم يمنع الميراث, كما لو ملكه بالميراث عند من سلمه أو كما لو كان ذلك في صحته فإن ملكه بعوض, كالشراء فحكى الخبري عن أحمد أنه يعتق ويرث وهذا قول ابن الماجشون, وأهل البصرة وقال القاضي في " المجرد ": إن ملكه بعوض وخرج من الثلث, عتق وورث وإلا عتق منه بقدر الثلث وهذا قول مالك وقال الخبري: وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وحكى غيره عن الشافعي أنه لا فرق عنده بين أن يملكه بعوض أو غيره وأنه إن خرج من الثلث عتق, وإلا عتق منه بقدر الثلث ولا يرث في الحالين لأنه لو ورث لكان إعتاقه وصية لوارث فيبطل عتقه, ويبطل ميراثه لبطلان عتقه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه, فصححنا عتقه ولم نورثه لئلا يفضي إلى ذلك ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه في هذا كمذهبهم فيما إذا ملكه بغير عوض ولنا, على إعتاقه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) ولأنه ملك وجد معه ما ينافيه فبطل, كملك النكاح مع ملك الرقبة أعني فيما إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه وإذا عتق ورث لأنه وجد سبب الميراث عريا عن الموانع فورث, كما لو ورثه وقولهم: إن عتقه وصية لا يصح لأن الوصية فعله والعتق ها هنا يحصل من غير اختياره ولا إرادته, ولأن رقبة المعتق لا تحصل له وإنما تتلف ماليته وتزول فيصير ذلك كتلفه بقتل بعض رقيقه, أو كإتلاف بعض ماله في بناء مسجد مثال ذلك: مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة, ثم مات المريض وخلف ابنا آخر ومائتين فإنه يعتق, ويقاسم أخاه المائتين في قول الأكثرين وعند الشافعي فيما حكي عنه غير الخبري, يعتق ولا يرث شيئا وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله نصف التركة فيحتسب عليه بقيمته ويبقى له خمسون وإن كان باقي التركة خمسين, فعندنا يعتق وله نصف الخمسين وهو قول مالك وعند أبي حنيفة يعتق نصفه, ويسعى في باقيه والخمسون كلها لأخيه وقال صاحباه: يعتق ثلاثة أرباعه وعند الشافعي في قول غير الخبري, يعتق نصفه ويرق نصفه ونصفه الرقيق والخمسون كلها لأخيه وإن كان باقي التركة ثلاثمائة, فعندنا يعتق وله مائة وخمسون وعند الشافعي يعتق ولا يرث شيئا وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله مائة فإن كان اشترى ابنه بمائة, ومات وخلف ابنا آخر ومائة أخرى فعلى الرواية الأولى, يعتق ويقاسم أخاه المائة الباقية وعلى ما حكاه القاضي يعتق منه ثلثاه ويرث أربعين, ويعتق باقيه على أخيه ولا يرث بذلك الجزء شيئا لأن عتقه حصل بعد موت أبيه وعند الشافعي يعتق ثلثاه ولا يرث وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثاه, ويسعى في باقيه ولا يرث وعند صاحبيه يعتق كله, ولا يرث شيئا فإن كان قد تصدق قبل ذلك بثلثه أو حابى به, لم يعتق لأن الثلث قد ذهب. وإن ملك من ورثته من لا يعتق عليه كبني عمه فأعتقهم في مرضه, فعتقهم وصية لأنه حصل بفعله واختياره وحكمهم في العتق حكم الأجانب إن خرجوا من الثلث عتقوا, وإلا عتق منهم بقدر الثلث وينبغي أن يعتقوا ولا يرثوا لأنهم لو ورثوا لكانت وصية لوارث فيبطل عتقهم ثم يبطل ميراثهم وقد قال أبو الخطاب, في رجل ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته: عتق ولم يرث وهذا في معني ما ذكرنا لأن إقراره لوارث غير مقبول, فمنعنا ميراثه ليقبل إقراره له بالإعتاق. مريض اشترى أباه بألف لا مال له سواه فعلى رواية الخبري, يعتق كله وعلى القول الآخر يعتق ثلثه على المعتق ويعتق باقيه على ابنه وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثه ويسعى للابن في ثلثيه وعلى قول صاحبيه, يعتق سدسه ويسعى في خمسة أسداسه وقيل على قياس قول الشافعي: يفسخ الشراء إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل: يعتق ثلثه ويفسخ البيع في ثلثيه وإن خلف ألفين سواه, عتق وورث سدسهما وبه قال مالك وأبو حنيفة وفي قول صاحبيه, يعتق نصفه ويسعى في قيمة نصفه. وإذا وهب الإنسان أبوه أو وصى له به, استحب له أن يقبله ولم يجب وهذا قول الشافعي ويحتمل أن يجب عليه قبوله لأن فيه إعتاقا لأبيه من غير التزام مال ولنا أنه استجلاب ملك على الأب, فلم يلزمه كما لو بذل له بعوض أو كما لو بذل له ابنه أو غيره من أقاربه, ولأنه يلزمه ضرر بلحوق المنة به وتلزمه نفقته وكسوته. إذا وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الوارث, فالثلث بينهما وإن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصية لهما وإن ردوا بطلت وصية الوارث في المسألتين, وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي, وغيرهم وإن كانت الوصيتان بثلثي ماله فأجاز الورثة لهما جازت لهما وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللأجنبي الثلث كاملا لأنهم خصوا الوارث بالإبطال, فالثلث كله للأجنبي وسقطت وصية الوارث فصار كأنه لم يوص له وإن أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما, فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس هذا الذي ذكره القاضي وهو قول مالك والشافعي وذلك لأن الوارث يزاحم الأجنبي, إذا أجاز الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد, كان البطلان راجعا إليهما وما بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد واختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للأجنبي وحكي نحو هذا عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان للأجنبي, ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس فإن صرح الورثة بذلك فقالوا: أجزنا الثلث لكما, ورددنا ما زاد عليه في وصيتكما أو قالوا: رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به وإن قالوا: أجزنا وصية الوارث كلها, ورددنا نصف وصية الأجنبي فهو على ما قالوا لأن لهم أن يجيزوا لهما ويردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر وإن أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز, كما قلنا وإن أرادوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فإن ردوا جميع وصية الوارث, ونصف وصية الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما, فيشتركان فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث, لم يرد الأجنبي على ما كان له في حالة الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للأجنبي لأنه إنما ينتقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة, وجب توفير الثلث عليه لأنه قد أوصى له به ولو خلف ابنين ووصى لهما بثلثي ماله ولأجنبي بالثلث, فردا الوصية فقال أبو الخطاب: عندي للأجنبي الثلث كاملا وعند القاضي له التسع ويجيء فيه من الفروع مثل ما ذكرنا في التي قبلها. وإن وصى لوارث فأجاز بعض باقي الورثة الوصية دون البعض, نفذ في نصيب من أجاز دون من لم يجز وإن أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا فإن أجاز بعضهم بعض الوصية, وأجاز بعضهم جميعها أو ردها فهو على ما فعلوا من ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا, لا يملك غيره فوصى به لأحدهم أو وهبه إياه في مرض موته, وأجازه له أخواه فهو له وإن أجاز له أحدهما وحده, فله ثلثاه وإن أجازا له نصف العبد فله نصفه, ولهما نصفه وإن أجازا أحدهما له نصف نصيبه ورد الآخر, فله النصف كاملا الثلث نصيبه والسدس من نصيب المجيز وإن أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه, كمل له الثلثان وإن أجاز له أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلاثة أرباع نصيبه, كمل له ثلاثة أرباع العبد وإن وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما, أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساويا وإن شاء متفاضلا, أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لأحدهما جميع وصيته, وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل فيه. قال: [ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث, فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي جاز وإن لم يجيزوا, رد إلى الثلث] وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم فإن أجازوه جاز, وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء والأصل في ذلك (قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسعد حين قال: أوصى بمالي كله؟ قال: لا قال فبالثلثين؟ قال: لا قال: فبالنصف؟ قال: لا قال: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير) وقوله عليه السلام: (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم) يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه وحديث عمران بن حصين في المملوكين الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم, فدعا بهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين, وأرق أربعة وقال له قولا شديدا يدل أيضا على أنه لا يصح تصرفه فيما عدا الثلث, إذا لم يجز الورثة ويجوز بإجازتهم لأن الحق لهم والقول في بطلان الوصية بالزائد عن الثلث كالقول في الوصية للوارث, على ما ذكرنا وهل إجازتهم تنفيذ أو عطية مبتدأة؟ فيه اختلاف ذكرناه في الوصية للوارث والخلاف فيه مبني على أن الوصية به أو العطية له في مرض الموت المخوف, صحيحة موقوفة على الإجازة أو باطلة؟ فظاهر المذهب أنها صحيحة وأن الإجازة تنفيذ مجرد, لا يكفي فيه قول المجيز: أجزت ذلك أو أنفذته أو نحوه من الكلام ولا يفتقر إلى شروط الهبة ويتفرع عن هذا الخلاف أنه لو أعتق عبدا لا مال سواه في مرضه أو وصى بإعتاقه, فأعتقوه بوصيته فقد نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن أجازوه, عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله إذا قلنا بصحة إعتاقه ووصيته وإن قلنا: هي باطلة, والإجازة عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم باشروه بالإعتاق وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق, أو وصى بالإعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو أوصى لابن وارثه بعد تبرعه بثلث ماله أو أعطاه عطية في مرضه, فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فيما أجازه فله ذلك إن قلنا: هي عطية مبتدأة وليس له ذلك على القول بأنها إجازة مجردة ولو تزوج رجل ابنة عمه, فأوصت له بوصية أو عطية في مرض موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته, فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح إن قلنا: إجازتهم تنفيذ ولم يصح إن قلنا: هي عطية مبتدأة ولأنهم يكونون واقفين على أنفسهم ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة, وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال: إن أوصى في المرض فهو من الثلث, وإن كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء يعني به العطية قاله القاضي أما الوصية فإنها عطية بعد الموت فلا يجوز منها إلا الثلث على كل حال. ولا يعتبر الرد والإجازة إلا بعد موت الموصي فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا, أو أذنوا لموروثهم في حياته بالوصية بجميع المال أو بالوصية لبعض ورثته ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته, فلهم الرد سواء كانت الإجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح, وطاوس والحكم والثوري, والحسن بن صالح والشافعي وأبي ثور, وابن المنذر وأبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن, وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى, والزهري وربيعة والأوزاعي, وابن أبي ليلى: ذلك جائز عليهم لأن الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك: إن أذنوا له في صحته, فلهم أن يرجعوا وإن كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله, فذلك جائز عليهم ولنا أنهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم, كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية, فلم يصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية.
|